الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
فأجاب حفظه الله تعالى قائلاً : الراجح أن الماء قسمان : طهور ونجس ، فما تغير بالنجاسة ، فهو نجس ، وما لم يتغير بنجاسة ، فهو طَهُورٌ . أما إثبات قسم ثالث ، وهو الطاهر ، فلا أصل لذلك في الشريعة ، والدليل على هذا هو عدم الدليل ، إذ لو كان القسم الطاهر ثابتاً بالشرع ، لكان أمراً معلوماً مفهوماً،تأتي به الأحاديث البينة الواضحة ، لأن الحاجة تدعو إلى بيانه ، وليس بالأمر الهين ، إذ يترتب عليه : إما أن يتطهر بماء أو يتيمم . فأجاب بقوله : الأصل في الطهارة من الحدث الماء ، ولا طهارة إلا بالماء، سواء كان الماء نقيّاً ، أم متغيِّراً بشيء طاهر ، لأن القول الراجح : أن الماء إذا تغيّر بشيء طاهر ، وهو باقٍ على اسم الماء ، أنه لا تزول طهور يته ، بل طهور طاهر في نفسه ، مطهر لغيره ، فإن لم يوجد الماء أو خيف الضرر باستعماله ، فإنه يُعدَل عنه إلى التيمم ، بضرب الأرض بالكفين ، ثم مسح الوجه بهما ، ومسح بعضهما ببعض . هذا بالنسبة للطهارة من الحدث . أما الطهارة من الخبث ، فإن أي مزيل يُزيل ذلك الخبث ، من ماء أو غيره تحصل به الطهارة ، وذلك لأن الطهارة من الخبث يُقصَد بها إزالة تلك العين الخبيثة بأي مزيل ، فإذا زالت هذه العين الخبيثة بماء أو بنزين أو غيره من السائلات أو الجامدات على وجه تام ، فإن هذا يكون تطهيراً لها ، لكن لابد من سبع غسلات إحداهن بالتراب في نجاسة الكلب ، وبهذا نعرف الفرق بين ما يحصل به التطهير في باب الخبث ، وبين ما يحصل به التطهير في باب الحدث . فأجاب قائلاً : إزالة النجاسة ليست مما يُتعبد به قصداً ، أي أنها ليست عبادة مقصودة ، وإنما إزالة النجاسة هو التخلي من عين خبيثة نجسة ، فبأي شيء أزال النجاسة ، وزالت وزال أثرها ، فإنه يكون ذلك الشيء مطهِّراً لها ، سواء كان بالماء أو بالبنزين، أو أي مزيل يكون ، فمتى زالت عين النجاسة بأي شيء يكون، فإنه يُعتبر ذلك تطهيراً لها ، حتى إنه على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، لو زالت بالشمس والريح فإنه يطهر المحل ، لأنها كما قلت : هي عين نجسة خبيثة ، متى وجدت صار المحل متنجِّساً بها ، ومتى زالت عاد المكان إلى أصلة ، أي إلى طهارته ، فكل ما تزول به عين النجاسة وأثرها ، إلا إنه يُعفى عن اللون المعجوز عنه ، فإنه يكون مطهِّراً لها ، وبناءً على ذلك نقول : إن البخار الذي تُغسل به الأكوات إذا زالت به النجاسة فإنه يكون مطهِّراً . فأجاب فضيلته : نعم يصح الوضوء بالماء المالح بطبيعته أو بوضع ملح فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الوضوء بماء البحر فقال : ومن المعلوم أن مياه البحر مالحة فيجوز للإنسان أن يتوضأ بالماء المالح سواء كان الملح طارئاً أو كان مالحاً من أصله . وكذلك يجوز الوضوء بالماء الذي أخرج بالمكائن وغيرها من الآلات الحديثة لأن هذا داخل في قوله تعالى : فأجاب بقوله : هذا الماء طهور وإن تغير ، لأنه لم يتغير بمازج خارج وإنما تغير بطول مُكثه في هذا المكان ، وهذا لا بأس به يُتوضأ منه والوضوء صحيح . فأجاب بقوله : لا بأس بالوضوء من تلك البركة ما داموا يتوضأون خارجها ، ولا يغتسلون في داخلها ، لأنه لا يضرّ تغير الماء بمكثه ، إنما يضرّ لو تغير بنجاسة ، وكذلك لو كانوا يغتسلون من الجنابة بداخلها ، لِنَهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاغتسال في الماء الدائم الذي لا يجري ، أما ما داموا يغتسلون ويتوضأون خارجها فلا حرج في ذلك والباقي طهور يتوضأون منه إلى أن ينفذ . فأجاب فضيلته بقوله : إذا كان الماء لم يَتغيَّر بالنَّجاسة فهو طاهر ، فإن تغيَّر بالنجاسة فهو نجس ٌ وعلى من تلوَّثت رجله به أن يغسلها ، وكذلك من تلوثت نعاله به أن يغسل ما تلوث إلا ما يباشر الأرض فإن الأرض تُطَهّره . فأجاب بقوله : في حال تكرير الماء التكرير المتقدم ، الذي يُزيل تلوثه بالنجاسة حتى يعود نقيّاً سليماً من الروائح الخبيثة ومن تأثيرها في طعمه ولونه ، مأمون العاقبة من الناحية الصحية ، في هذه الحال لا شّك في طهارة الماء ، وأنه يجوز استعماله في طهارة الإنسان وشربه وأكله وغير ذلك ، لأنه صار طهوراً لزوال أثر النجاسة طعماً ورائحة ً ولوناً ، وفي الحديث عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وفي رواية : إذا تبين ذلك وأن مدار نجاسة الماء على تغيره ، فإنه إذا زال تغيره بأي وسيلة عاد حكم الطهورية إليه ، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، وقد نصّ الفقهاء - رحمهم الله - على أن الماء الكثير وهو الذي يبلغ القُلّتين عندهم إذا زال تغيره ولو بنفسه بدون محاولة فإنه يطهر . وفي حال تكرير الماء التكرير الأولي والثانوي ، الذي لا يزيل أثر النجاسة لا يجوز استعماله في طهارة الإنسان وشربه ، لأن أثر النجاسة فيه باقٍ ، إلا إذا قدر أن هذا الأثر الباقي لا يتغير به ريح الماء ولا طعمه ولا لونه ، لا تغيراً قليلاً ولا كثيراً ، فحينئذٍ يعود إلى طهوريته ، ويستعمل في طهارة الإنسان وشربه ، كالمكرر تكريراً متقدماً . وأما استعماله أعني الذي بقي فيه أثر النجاسة في ريحه أو طعمه أو لونه ، إذا استعمل في سقي الحدائق والمزارع والمنتزهات الشعبية ، فالمشهور عند الحنابلة أنه يحرم ثمر وزرع سقي بنجس أو سمّد به لنجاسته بذلك ، حتى يسقى بطاهر ، وتزول عين النجاسة ، وعلى هذا يحرم السقي والسماد وقت الثمار ، لأنه يفضي إلى تنجيسه وتحريمه . وذهب أكثر أهل العلم إلا أنه لا يحرم ولا ينجس بذلك إلا أن يظهر أثر النجاسة في الحب والثمر ، وهذا هو الصحيح ، والغالب أن النجاسة تستحيل فلا يظهر لها أثر في الحبّ والثمر لكن ينبغي أن يلاحظ أن المنتزهات والجالسين فيها، أو تحرمهم الجلوس والتنزه وهذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البراز في الموارد وقارعة الطريق ، وظل الناس ، لأن ذلك يقذرهم ، فعليه يجب أن لا تسقى المنتزهات والحدائق العامة بالمياه النجسة ، أو تسمّد بالأسمدة النجسة ، والله الموفق. فأجاب بقوله : الصحيح أن الاتخاذ والاستعمال في غير الأكل والشرب ليس بحرام وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما نهى عن شيء مخصوص ، وهو الأكل والشرب ، والنبي صلى الله عليه وسلم أبلغُ الناس وأفصحهم وأبينهم في الكلام لا يخصّ شيئاً دون شيء إلا لسبب ، ولو أراد النهي العام لقال : " لا تستعملوها " ، فتخصيصه الأكل والشرب بالنهي دليل على أن ما عداهما جائز ، لأن الناس ينتفعون بهما في غير ذلك ولو كانت الآنية من الذهب والفضة محرّمة مطلقاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتكسيرها ، كما كان صلى الله عليه وسلم لا يدع شيئاً فيه تصاوير إلا كسّره ، فلو كانت محرّمة مطلقاً لكسرها ، لأنه إذا كانت محرمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة ، ويدلّ لذلك أن أم سلمة وهي راوية حديث : فإن قال قائل : حرمها الرسول صلى الله عليه وسلم في الأكل والشرب لأنه هو الأغلب استعمالاً ، وما علق به الحكم لكونه أغلب ، فإنه لا يقتضي تخصيصه به كما في قوله تعالى: قلنا : هذا صحيح لكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يُعلِّق الحكم بالأكل والشرب ، لأن مظهر الأمة بالترّف في الأكل والشرب أبلغ منه في مظهرها في غير ذلك ، وهذه علّة تقتضي تخصيص الحكم بالأكل والشرب ، لأنه لا شك أن الإنسان الذي أوانيه في الأكل والشرب ذهب وفضة ليس كمثل إنسان يستعملها في حاجات أخرى تخفي على كثير من الناس ، ولا يكون مظهر الأمة التفاخر في الأكل والشرب . ويلزم من قولكم ألا يكون لتعليل النبي صلى الله عليه وسلم فائدة ، وإذا كانت العلة منصوصة وهي عدم الاستمتاع بذلك في الدنيا كفعل الكفار صار ذكر الأكل والشرب لا يمنع قياس غيرهما عليهما ، وأيضا قولكم : " هلا قال لا تستعملوها " يستلزم إبطال القياس وهو مجمع عليه إذا ظهرت العلة ولم يصادم نصَّا ، وحديث أم سلمة الوارد في الفتوى لا يعارض الحديث لأنه موقوف عليها . وقال الشنقيطي رحمة الله تعالى في أضواء البيان ج3 ص 224: " فإن قيل الحديث وارد في الشرب في إناء الفضة .. فالجواب : أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب " ا.هـ. وكلام الشوكاني في هذا غير مقنع ، فنرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح ذلك والله يحفظكم ويرعاكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . فأجاب فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى بقوله : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وبعد فقد فهمت ما كتبت بارك الله فيك ، والعلة التي علل بها النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الأكل في آنية الذهب والفضة لا يقصد بها إحلال ذلك للكفار ولكن يقصد بها والله أعلم أنكم أيها المؤمنون إن منعتم عنها في الدنيا لم تمنعوا عنها في الآخرة فيكون كالتسلية للمؤمنين . وأما قولكم عن قولنا " لقال لا تستعملوها " غير مسلم ، فلا يلزم من كونه غير مسلم لديكم أن يكون غير مقبول عند غيركم لأن الحق غير محجور على عقل أحد من الناس أو تسليمه إلا من وجب اتباعه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم . وأما قولكم " إنه يلزم من قولنا إلا يكون لتعليل النبي صلى الله عليه وسلم فائدة " فإن الفائدة منه ما أشرنا إليه من قبل وهي حاصلة حتى على قولنا بما دل عليه الحديث من تخصيص النهي بالأكل والشرب . وأما قولكم " إذا كانت العلة منصوصة " إلخ . فإن من المعلوم أننا لو أخذنا بما فهمتم من عموم العلة لكنا نحرم كل ما يستمتع به الكفار وهذا لا يقوله أحد ، وإنما المقياس في ذلك ما دلت عليه النصوص فإذا كان الشيء الذي يستمعون به لا يحرم علينا كان حلالاً قال الله تعالى : وغرضنا من سياق ما ذكرناه من كلام الشيخ الشنقيطي تحقيق ما طلبتم من مراجعته وقد تبين لنا أنه ليس فيه تصريح بمنع استمعال الأواني في غير الأكل والشرب ، على أنه لو صرح به فليس قوله حجة على غيره ، كما أن قول الشوكاني الذي ذكرتم أنه لم يخف عليكم وانكم لم تقتنعوا به ليس حجة عليكم كما أنه ليس حجة لنا والله المستعان . ولقد أعجبني قولكم إنكم لم تقتنعوا به لأن هذا هو الواجب عليكم إذا اطلعتم على قول مخالف للأدلة في نظركم لأن لا تقتنعوا به ,أن تلتمسوا العذر لقائله إذا كانت حالة تُحتمل العذر ، والمرء مكلف بما يستطيع علماً وعملاً ولا يجوز له العدول عما أداه إليه اجتهاده إذا كان قد بذل جهده ، وعليه أن يعذر غيره فيما اجتهد فيه إذا لم يعلم منه سوء القصد كما أن على غيره أن يعذره إذا علم منه حسن القصد ولم يعلم منه سوء المراد . وأسأل الله تعالى أن يتولى الجميع بعنايته ويلهمنا الرشد والسداد . فأجاب فضيلته بقوله : اتخاذ السلاسل للتجمل بها محرم ، لأن ذلك من شيم النساء ، وهو تشبه بالمرأة وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ، ويزداد تحريماً وإثماً إذا كان من الذهب فإنه حرام على الرجل من الوجهين جميعاً ، من جهة أنه ذهب ، ومن جهة أنه تشبه بالمرأة ، ويزداد قبحاً إذا كان فيه صورة حيوان أو ملك ، وأعظم من ذلك وأخبث إذا كان فيه صليب ، فإن هذا حرام حتى على المرأة أن تلبس حُليّاً فيه صورة سواءً كانت الصورة صورة إنسان أو حيوان طائر أو غير طائر أو كان فيه صورة صليب وهذا - أعني لبس ما فيه صور - حرام على الرجال والنساء فلا يجوز لأي منهما أن يلبس ما فيه صورة حيوان أو صورة صليب . والله أعلم . فأجاب بقوله : أعلم أيها السائل ، وليعلم كل من يطلع على هذا الجواب أن العلة في الأحكام الشرعية لكل مؤمن ، هي قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . لقوله تعالى : ونقول - بعد ذلك - في الجواب على السؤال : إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم لباس الذهب على الذكور دون الإناث ، ووجهُ ذلك أن الذهب من أغلى ما يتجمل به الإنسان ويتزين به فهو زينة وحلية ، والرجل ليس مقصوداً لهذا الأمر ، أي ليس إنساناً يتكمّل بغيره أو يكمل بغيره ، بل الرجل كامل بنفسه لما فيه من الرجولة ،ولأنه ليس بحاجة إلى أن يتزين لشخص آخر تتعلق به رغبته ، بخلاف المرأة ، فإن المرأة الناقصة تحتاج إلى تكميل بجمالها ، ولأنها محتاجة إلى التجمل بأغلى أنواع الحلي ، حتى يكون ذلك مدعاة للعشرة ببينها وبين زوجها ، فلهذا أبيح للمرأة أن تتحلى بالذهب دون الرجل ، قال الله تعالى في وصف المرأة : وبهذه المناسبة أوجه نصيحة إلى هؤلاء الذين أبُتلوا من الرجال بالتحلي بالذهب ، فإنهم بذلك عصوا الله ورسوله وألحقوا أنفسهم بمصاف الإناث ، وصاروا يضعون في أيديهم جمرة من النار يتحلون بها ، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعليهم أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى ، وإذا شاءوا أن يتحلوا بالفضة في الحدود الشرعية فلا حرج في ذلك ، وكذلك بغير الذهب من المعادن لا حرج عليهم أن يلبسوا خواتم منه إذا لم يصل ذلك إلى حد السرَّف. فأجاب بقوله : لبس الذهب حرام على الرجال سواء كان خاتماً أو أزراراً أو سلسلة يضعها في عنقة أو غير ذلك ، لأن مقتضى الرجولة أن يكون الرجل كاملاً برجولته لا بما يُنَشَّأ به من الحلي ولباس الحرير ونحو ذلك مما لا يليق إلا بالنساء ، قال الله تعالى : أولاً : ما ثبت عن في صحيح مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال : ثانياً: عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثالثاً : عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رابعاً : عن أبي سعيد - رضي الله عنه - خامساً : وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : سادساً وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم ، نهى عن خاتم الذهب .رواه البخاري أيضاً . سابعاً : عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : ثامناً : ما نقله في فتح الباري شرح صحيح البخاري ، قال : وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم ، عن علي بن بن أبي طالب - رضي الله عنه – فهذه الأحاديث صريحة وظاهرة في تحريم خاتم الذهب على الذكور لمجرد اللبس ، فإن اقترن بذلك اعتقاد فاسد كان أشد وأقبح مثل الذين يلبسون ما يُسمى بـ "الدبلة" ويكتبون عليه اسم الزوجة ، وتلبس الزوجة مثله مكتوباً عليه اسم الزوج ، يزعمون أنه سبب للارتباط بين الزوجين ، وهذه بلا شك عقيدة فاسدة وخيال لا حقيقة له ، فأي ارتباط وأي صلة بين هذه الدبلة وبين بقاء الزوجية وحصول المودة بين الزوجين؟ وكم من شخص تبادل الدبلة بينه وبين زوجته ، فانفصمت عرى الصلات بينهما وكم من شخص لا يعرف الدبلة وكان بينه وبين زوجته أقوى الصلات والروابط . فعلى المرء أن يُحكِّم عقله وألا يكون منجرفاً تحت وطأة التقليد الأعمى الضار في دينه وعقله وتصرفه ، فإن أظن أن أصل هذه الدبلة مأخوذ من الكفار فيكون فيه قبح ثالث ، وهو قبح التشبه بالكافرين ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : فأجاب جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً بقوله :الساعة المطلية بالذهب للنساء لا بأس بها ، وأما للرجال فحرام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الذهب على ذكور أمته . وأما قول السائل الذهب الأبيض فلا نعلم أن هناك ذهباً أبيض ، الذهب كله أحمر ، لكن إن كان قصده بالذهب الأبيض الفضة فإن الفضة ليست من الذهب ويجوز منها ما لا يجوز من الذهب كالخاتم ونحوه . فأجاب بقوله : الأسنان الذهبية لا يجوز تركيبها للرجال إلا لضرورة لأن الرجل يحرم عليه لبس الذهب والتحلي به ، وأما للمرأة فإذا جرت عادة النساء أن تتحلى بأسنان الذهب فلا حرج عليها في ذلك فلها أن تكسوا أسنانها ذهباً إذا كان هذا مما جرت العادة بالتجمل به ، ولم يكن إسرافاً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : وإذا ماتت المرأة في هذه الحال أو مات الرجل وعليه سن ذهب قد لبسه للضرورة فإنه يخلع إلا إذا خُشي المثلة ، يعني خشي أن تتمزق اللثة فإنه يبقى ، وذلك أن الذهب يعتبر من المال ، والمال يرثه الورثة من بعد الميت فإبقاؤه على الميت ودفنه إضاعة للمال . فأجاب بقوله :إذا لم يمكن إزالة الوس إلا بكسائها بالذهب فلا بأس بذلك وإن كان يمكن بدون الذهب فلا يجوز . وأما ملء الفراغ بأسنان الذهب فلا يجوز إلا بشرطين : الأول : أن لا يمكن ملؤها بشيء غير الذهب . الثاني : أن يكون في الفراغ تشويه للفم . فأجاب فضيلته بقوله : التختم ليس بسنة مطلوبة بحيث يطلب من كل أن إنسان أن يتختم ، لوكان إذا احتاج إليه ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن الملوك الذين يريد أن يكتب إليهم لا يقبلون كتاباً إلى مختوماً اتخذ الخاتم من أجل أن تختم به الكتب التي يرسلها إليهم ، فمن كان محتاجاً إلى ذلك كالأمير والقاضي ونحوهما كان اتخاذه اتباعاً لرسوله الله صلى الله عليه وسلم ، ومن لم يكن محتاجاً إلى ذلك لم يكن لبسه في حقه سنة بل هو من الشيء المباح ، فإن لم يكن في لبسه محذور فلا بأس به ، وإن كان في لبسه محذور كان له حكم ذلك المحذور ، وليعلم أنه لا يحل للذكور التختم بالذهب لأنه ثبت النهي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأجاب قائلاً : هذا فيه خلاف بين أهل العلم . فقال بعض العلماء : إن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ ، وعللوا ذلك بأن الميتة نجسة العين ، ونجس العين لا يمكن تطهيره كروث الحمار ، ولحديث عبد الله بن عكيم قال : وذهب بعض أهل العلم إلى أن جلد الميتة يطهر بالدباغ ، واستدلوا بحديث ميمونة المتقدم ، وهو حديث صحيح صريح في أن الجلد يطهر بالدبغ ، وأجابوا عن دعوى النسخ بأجوبة منها : أولاً : أن حديث عبد الله بن عكيم ضعيف ، فلا يمكن أن يقابل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم . ثانياً : أن من شروط القول بالنسخ ، العلم بالتاريخ ، ونحن لا ندري هل قضية الشاة في حديث ميمونة - رضي الله عنها - قبل أن يموت بشهر أو بأقل ، أو أكثر ، فلا يتحقق النسخ . ثالثاً : أنه لو ثبت أن حديث عبد الله متأخر ، فهو لا يعارض حديث ميمونة ، لأن قوله : فإن قال قائل : كيف يقال إن كبد الميتة لو دبغت ما طهرت ، والجلد لو دبغ لطهر ، ولكنها أجزاء ميتة ، ونحن نعرف أن الشريعة الحكيمة لا يمكن أن تفرق بين متماثلين؟ قلنا : الجواب على هذا من وجهين : الأول : أنه متى ثبت الفرق في الكتاب والسنة بين شيئين مشابهين ، فاعلم أن هناك فرقاً في المعنى ، ولكنك لم تتوصل إليه ، لأن إحاطتك بحكمة الله عزّ وجلّ غير ممكنة ، فموقفك التسليم . الثاني : أن نقول : هناك فرق بين اللحم والجلد ، فإن حلول الحياة فيما كان داخل الجلد ، أشد من حلولها في الجلد نفسه ، لأن الجلد فيه نوع صلابة بخلاف اللحم ، وما كان داخله فإنه ليس مثله ، فلا يكون فيه الخبث الذي من أجله صارت الميتة نجسة حراماً . ولهذا نقول : إنه يعطي حكماً بين حكمين : الحكم الأول : أن ما كان داخل الجلد لا يطهر بالدباغ . الحكم الثاني : أن ما كان خارج الجلد من الشعر والوبر فهو طاهر، والجلد بينهما ، ولهذا أعطى حكماً بينهما ، وبهذا نعرف سمو الشريعة ، وأنها لا يمكن أن تفرق بين متماثلين ، ولا أن تجمع بين مختلفين . وعليه فكل حيوان مات وهو مما يؤكل ، فإن جلده يطهر بالدباغ . فأجاب فضيلته بقوله : إذا كانت الميتة من حيوان يُباح بالذكاة ، كبهيمة الأنعام ، فإنه يجوز الانتفاع بجلدها ، لكن بعد الدبغ ، لأنه بالدبغ الذي يزول به النَّتن والرائحة الكريهة يكون طاهراً يُباح استعماله في كل شيء حتى في غير اليابسات على القول الراجح ، لأنه يطهر بذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : وأما إذا كان الجلد من حيوان لا يحل بالذَّكاة ، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم والله أعلم بالصواب . فأجاب قائلاً :هذا فيه تفصيل :إن كانت الميتة طاهرة ، فإن جلدها طاهر ، وإن كانت نجسة ، فجلدها نجس ، ومن أمثلة الميتة الطاهرة : السمك ، لقوله تعالى : أما الذي ينجس بالموت ، فإن جلده ينجس به - يعني ينجس بالموت - لأنه داخل في عموم الميتة فيكون داخلاً في قوله تعالى : فإن قال قائل : إن الميتة حرام ، ولا يلزم من التحريم النجاسة ، فهذا السم حرام وليس بنجس . قلنا هذه قاعدة صحيحة، إلا إننا نجيب عن ذلك بأن الله علَّل لما قال:
فأجاب حفظه الله تعالى بقوله : هذا فيه نظر ، لأن الإنسان إنما انحبس عن ذكر الله بأمر الله ، وإذا كان بأمر الله فلم يعرض نفسه للعقوبة ، بل عرض نفسه للمثوبة ، ولهذا كانت المرأة الحائض لا تصلي ولا تصوم ، فهل يُسنُّ لها إذا طهرت أن تستغفر لله ، لأنها تركت الصلاة والصيام في أيام الحيض؟ ! أبداً لم يقله أحد البتة . وبهذا يتبين أن المناسبة ، أن الإنسان لما تخفف من أذية الجسم تذكر أذية الإثم فدعا الله أن يخفف أذية الإثم كما منَّ عليه بتخفيف أذية الجسم ، وهذا معنى مناسب من باب تذكر الشيء بالشيء . فأجاب قائلاً : لا يجوز للإنسان أن يكشف عورته في الحمامات المعدة للوضوء ، والتي يشاهدها الناس ، فإنه يكون بذلك آثماً ، وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله - أنه في هذه الحال يجب على المرء أن يستجمر بدل الاستنجاء . بمعنى أن يقضي حاجته بعيداً عن الناس ، وأن يستجمر بالأحجار ، أو بالمناديل ، ونحوها مما يباح الاستجمار به ، حتى ينقى محل الخارج بثلاث مسحات فأكثر . قالوا : إنما يجب ذلك لأنه لو كشف عورته للاستنجاء ، لظهرت للناس ، وهذا أمر محرم . ما لايمكن تلافي المحرم إلا به ، فإنه يكون واجباً . وعلى هذا فنقول في الجواب : لا يجوز للمرء أن يتكشف أمام الناظرين للاستنجاء ، بل يحاول أن يكون في مكان لا يراه أحد . فأجاب بقوله : قبل أن أُجيب على هذا السؤال ، أقول : إن هذه الشريعة - ولله الحمد - كاملة من جميع الوجوه وملائمة لفطرة الإنسان التي فطر الله الخلق عليها ، حيث إنها جاءت باليسر والسهولة بل جاءت بإبعاد الإنسان عن المتاهات في الوساوس والتخييلات التي لا أصل لها ، وبناء على هذا فإن الإنسان بملابسه ، الأصل أن يكون طاهراً فلا يتيقن ورود النجاسة على بدنه أو ثيابة ، وهذا الأصل يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه رجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في صلاته - يعني الحدث - فقال صلى الله عليه وسلم : فثيابهم التي دخلوا بها الحمامات التي يقضون بها الحاجة كما ذكره السائل إذا تلوثت بماء فمن الذي يقول إن هذه الرطوبة هي رطوبة النجاسة من بول أو ماء متغير بغائط أو نحو ذلك؟ وإذا كنا لا نجزم بهذا الأمر فإن الأصل الطهارة ، صحيح أنه قد يغلب على الظن أنها تلوثت بشيء نجس ، ولكن ما دمنا لم نتيقن فإن الأصل بقاء الطهارة . فنقول في الجواب على هذا السؤال : إنهم إذا لم يتيقنوا أن ثيابهم أصيبت بشيء نجس فإن الأصل بقاء الطهارة ولا يجب عليهم غسل ثيابهم ولهم أن يصلوا بها ولا حرج والله اعلم . فأجاب جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً بقوله : البول قائماً بجوز بشرطين : أحدهما : أن يأمن من التلوث بالبول . والثاني : أن يأمن من أن ينظر أحد إلى عورته . فأجاب قائلاً : المصحف ، أهل العلم يقولون : لا يجوز للإنسان أن يدخل به إلى الحمام ، لأن المصحف كما هو معلوم له من الكرامة والتعظيم ما لايليق أن يدخل به إلى هذا المكان والله الموفق . فأجاب بقوله : يجوز دخول الحمام بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب ليست ظاهرة ، بل هي خفية ومستورة . ولا تخلو الأسماء غالباً من ذكر اسم الله - عزّ وجلّ - كعبد الله وعبد العزيز وما أشبهها . فأجاب بقوله : لا ينبغي للإنسان أن يذكر ربَّه - عزّ وجلّ - في داخل الحمام ، لأن المكان غير لائق لذلك ، وإن ذَكَره بقلبه فلا حرج عليه بدون أن يلفظ بلسانه ، وإلا فالأولى أن لا ينطق به بلسانه في هذا الموضع وينتظر حتى يخرج منه . أما إذا كان مكان الوضوء خارج محل قضاء الحاجة فلا حرج أن يذكر الله فيه . فأجاب بقوله : إذا كان الإنسان في الحمام فيسمي بقلبه لا بلسانه لأن وجوب التسمية في الوضوء والغسل ليس بالقول؛ حيث قال الإمام أحمد - رحمه الله - "لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسمية في الوضوء شيء". ولذلك ذهب الموفق صاحب المغني وغيره إلى أن التسمية في الوضوء سنة لا واجبة. فأجاب بقوله : دخول الحمام مكشوف الرأس لا بأس به، لكن استحب الفقهاء تغطية الرأس عند دخول الخلاء. فأجاب - حفظه الله تعالى - قائلاً : الحمام موضع لقضاء الحاجة فقط ، ولا ينبغي أن يبقى فيه إلا بقدر الحاجة ، والتشاغل بالأكل وغيره فيه يستلزم طول المكث فيه فلا ينبغي ذلك. فأجاب بقوله : اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال : فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يحرم استقبال القبلة واستدبارها في غير البنيان ، واستدلوا لذلك بحديث أبي أيوب - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وقال بعض العلماء : إنه لا يجوز استقبال الكعبة ولا استدبارها بكل حال ، سواء في البنيان أو غيره ، واستدلوا بحديث أبي أيوب المتقدم ، وأجابوا عن حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - بأجوبة منها : أولاً : أن حديث ابن عمر يُحمل على ما قبل النهي . ثانياً : أن النهي يرجح ، لأن النهي ناقل عن الأصل ، وهو الجواز ، والناقل عن الاصل ولي . ثالثاً : أن حديث أبي أيوب قول ، وحديث ابن عمر فعل ، والفعل لا يمكن أن يعارض القول ، لأن الفعل يحتمل الخصوصية ويحتمل النسيان ، ويحتمل عذراً آخر . والقول الراجح عندي في هذه المسألة : أنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الفضاء ، ويجوز الاستدبار في البنيان دون الاستقبال ، لأن النهي عن الاستقبال محفوظ ليس فيه تخصيص ، والنهي عن الاستدبار مخصوص بالفعل ، وأيضاً الاستدبار أهون من الاستقبال ولهذا - والله أعلم - جاء التخفيف فيه فيما إذا كان الإنسان في البنيان ، والأفضل أن لا يستدبرها إن أمكن . فأجاب بقوله : نعم يجزيء في الاستجمار استعمال المناديل ولا بأس به ، لأن المقصود من الاستجمار هو إزالة النجاسة سواء كان ذلك بالمناديل ، أو بالخرق ، أو بالتراب ، أو بالأحجار ، إلا إنه لا يجوز أن يستجمر الإنسان بما نهى الشارع عنه ، مثل العظام والرَّوث ، لأن العظام طعام الجن إذا كانت من مذكاة ، وإن كانت غير مذكاة فإنها نجسة ، والنجس لا يطهّر ، وأما الأرواث فإن كانت نجسة ، فهي نجسة لا تُطهّر ، وإن كانت طاهرة ، فهي طعام بهائم الجن ، لأن الجن الذين قدموا على النبي صلىالله عليه وسلم وأمنوا به ، أعطاهم ضيافة لا تنقطع إلى يوم القيامة ، قال : ويُوخذ من الحديث فضل الإنسان على الجن ، ولأن الإنس من أدم الذي أُمر أبو الجن أن يسجد له ، كما قال الله تعالى : فأجاب فضيلته بقوله : خروج الريح من الدبر ناقض للوضوء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : وهنا أنبه على مسألة تخفى على كثير من الناس وهي : أن بعض الناس يبول أو يتغوَّط قبل حضور وقت الصلاة ، ثم يستنجي ، فإذا جاء وقت الصلاة ، وأراد الوضوء ، فإن بعض الناس يظن أنه لا بد من إعادة الاستنجاء وغسل الفرج مرة ثانية ، وهذا ليس بصواب ، فإن الإنسان إذا غسل فرجه بعد خروج ما يخرج منه ، فقط طهر المحل ، وإذا طهر فلا جاحة إلى إعادة غسلة ، لأن المقصود من الاستنجاء أو الاستجمار الشرعي بشروطه المعروفة ، المقصود به تطهير المحل ، فإذا طهر فلن يعود إلى النجاسة إلا إذا تجدد الخارج مرة ثانية . فأجاب فائلاً : إن الإنسان إذا غسل عورته وأنقى المحل ، لا يجب عليه إعادة غسل العورة مرة ثانية إلا إذا خرج منه شيء ، وعلى هذا إذا كان السائل أحدث في أثناء وضوئه ، فإنه لا يعيد غسل فرجه إذا لم يخرج منه شيء ، أي خارج محسوس إلا الريح، فالريح لا يجب غسل الفرج منها إذا لم يخرج معها بلل. فعليه إذا أحدث بريح في أثناء وضوئه فإنه لا يعيد غسل فرجه ، وإنما يعيد الوضوء من جديد ، بمعنى أنه يعود فيغسل كفيه ويتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه إلخ الوضوء ، وبعض الناس يظن أن غسل الفرج من البول والغائط يكون مقارناً للوضوء ، بحيث يُعاد عند الوضوء وإن لم يخرج شيء وليس كذلك لأن الله قال:
فأجاب قائلاً : يتأكد السواك عند القيام من النوم ، وأول ما يدخل البيت ، وعند الوضوء في المضمضة ، وإذا قام للصلاة . ولا بأس به لمنتظر الصلاة ، لكن في حالة الخطبة لا يتسوك ، لأنه يشغله إلا أن يكون معه نعاس فيتسوك لطرد النعاس . فأجاب بقوله : هذا محل خلاف ، فذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان يستاك باليد اليمنى ، لأن السواك سنة والسنة طاعة لله وقربة فلا تتناسب أن تكون باليد اليسرى لأن اليسرى تقدم للأذى . وقال آخرون : بل باليد اليسرى أفضل ، وذلك لأن السواك لإزالة الأذى ، وإزالة الأذى تكون باليسرى كالاستنجاء والاستجمار فإنه يكون باليسرى لا باليمنى. وفضَّل آخرون فقالوا : إن تسوَّك لتطهير الفم كما لو استيقظ من نوم أو لإزالة أذى ، فيكون باليد اليسرى لأنه لإزالة الأذى ، وأن تسوَّك لتحصيل السنة ، فيكون باليمنى لأنه مجرد قربة كما لو كان قد توضأ قريباً واستاك ، فإنه يستاك باليمنى ، والأمر ولله الحمد في هذا واسع ، فيستاك كما يريد لأنه ليس في المسالة نص واضح . فأجاب بقوله : : الاكتحال نوعان : أحدهما : اكتحال لتقوية البصر وجلاء الغشاوة من العين وتنظيفها وتطهيرها بدون أن يكون له جمال ، فهذا لا بأس به ، بل إنه مما ينبغي فعله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل في عينيه ، ولا سيما إذا كان بالأثمد الأصلي . النوع الثاني : ما يُقصد به الجمال والزينة ، فهذا للنساء مطلوب ، لأن المرأة مطلوب منها أن تتجمل لزوجها . وأما الرجال فمحل نظر، وأنا أتوقف فيه، وقد يفرق فيه بين الشباب الذي يخشى من اكتحاله فتنة فيُمنع، وبين الكبير الذي لا يخشى ذلك من اكتحاله فلا يُمنع. فأجاب قائلاً : التسمية في الوضوء ليست بواجبة ولكنها سنة ، وذلك لأن في ثبوت حديثها نظراً . فقد قال الإمام أحمد رحمه الله : " إنه لا يثبت في هذا الباب شيء " والإمام أحمد - كما هو معلوم لدى الجميع - من أئمة هذا الشأن ومن حفّاظ هذا الشأن ، فإذا قال إنه لم يثبت في هذا الباب شيء ، فإن حديثها يبقى في النفس منه شيء ، وإذا كان في ثبوته نظر ، فإن الإنسان لا يسوغ لنفسه أن يلزم عباد الله بما لم يثبت عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك أرى أن التسمية في الوضوء سنة ، لكن من ثبت عنده الحديث وجب عليه القول بموجبه ، وهو أن التسمية واجبة ، لأن قوله " لا وضوء " الصحيح أنه نفيٌ للصحة وليس نفياً للكمال. فأجاب بقوله :حكم الختان محل خلاف ، وأقرب الأقوال أن الختان واجب في حق الرجال ، سنة في حق النساء ، ووجه التفريق بينهما أن الختان في حق الرجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شروط الصلاة وهي الطهارة ، لأنه إذا بقيت القلفة ، فإن البول إذا خرج ثقب الحشفة بقي وتجمع في القلفة وصار سبباً إما لاحتراق أو التهاب ، أو لكونه كلما تحرك خرج منه شيء فينتجس بذلك . وأما المرأة فإن غاية ما فيه من الفائدة أنه يقلل من غُلمتها - أي شهوتها - وهذا طلبُ كمال ، وليس من باب إزالة الأذى . واشترط العلماء لوجوب الختان ، ألا يخاف على نفسه فإن خاف على نفسه من الهلاك أو المرض ، فإنه لا يجب ، لأن الواجبات لا تجب مع العجز ، أو مع خوف التلف ، أو الضرر . ودليل وجوب الختان في حق الرجال : أولاً : أنه وردت أحاديث متعددة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أسلم أن يختتن ، والأصل في الأمر الوجوب . ثانياً : أن الختان ميزة بين المسلمين والنصارى ، حتى كان المسلمون يعرفون قتلاهم في المعارك بالختان ، فقالوا : الختان ميزة ، وإذا كان ميزة فهو واجب لوجوب التمييز بين الكافر والمسلم ، ولهذا حرم التشبه بالكفار لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ثالثاً : أن الختان قطع شيء من البدن وقطع شيء من البدن حرام ، والحرام لا يُستباح إلا لشيء واجب ، فعلى هذا يكون الختان واجباً . رابعاً : أن الختان يقوم به ولي اليتيم وهو اعتداء عليه واعتداء على ماله ، لأنه سيعطي الخاتن أجره ، فلولا أنه واجب لم يجز الاعتداء على ماله وبدنه . وهذه الأدلة الأثرية والنظرية تدلّ على وجوب الختان في حق الرجال ، أما المرأة ففي وجوبه عليها نظر ، فأظهر الأقوال أنه واجب على الرجال دون النساء ، وهناك حديث ضعيف هو : فأجاب قائلاً : القزع هو حلق بعض الرأس وترك بعضه ، وهو أنواع : النوع الأول : أن يحلق بعضه غير مرتب ، فيحلق مثلاً من الجانب الأيمن ومن الناصية ومن الجانب الأيسر . النوع الثاني : أن يحلق وسطه ويدع جانبيه . النوع الثالث : أن يحلق جوانبه ويدع وسطه ، قال ابن القيم - رحمه الله - كما يفعله السفل . النوع الرابع : أن يحلق الناصية فقط ويدع الباقي . والقزع كله مكروه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأي صبيّاً حلق بعض رأسه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يحلق كله أو يترك كله ، لكن إذا كان قزعاً مشبهاً للكفار فإنه يكون محرماً ، لأن التشبه بالكفار محرم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فأجاب قائلاً : التقليد في الأمور النافعة التي لم يرد الشرع بالنهي عنها أمر جائز ، وأما التقليد في الأمور الضارة أو التي منع الشرع منها من العادات فهذا أمر لا يجوز ، فهؤلاء الذين يطولون شعورهم نقول لهم هذا خلاف العادة المتبعة في زمننا هذا ، واتخاذ شعر الرأس مختلف فيه هل هو من السنن المطلوب فعلها؟ أو هو من العادات التي يتمشى فيها الإنسان على ما اعتاده الناس في وقته؟ والراجح عندي : أن هذا من العادات التي يتمشى فيها الإنسان على ما جرى عليه الناس في وقته ، فإذا كان من عادة الناس اتخاذ الشعر وتطويله - فإنه يفعل ، وإذا كان من عادة الناس حلق الشعر أو تقصيره فإنه يفعل . ولكن البلية كل البلية أن هؤلاء الذين يعفون شعور رؤوسهم لا يعفون شعور لحاهم ثم هم يزعمون أنهم يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وهم في ذلك غير صادقين فهم يتبعون أهواءهم ويدل على عدم صدقهم في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، إنك تجدهم قد أضاعوا شيئاً من دينهم هو من الواجبات كإعفاء اللحية مثلاً ، فهم لا يعفون لحاهم وقد أمروا بإعفائها وكتهاونهم في الصلاة وغيرها من الواجبات الأخرى ممايدلك على أن صنيعهم في إعفاء شعورهم ليس المقصود به التقرب إلى الله ولا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هي عادة استحسنوها فأرادوها ففعلوها . فأجاب بقوله : صبغ الشعر باللون الأسود الخالص حرام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أما إذا خلط معه لون آخر حتى صار أدهم فإنه لا بأس به . فأجاب بقوله : الأصل في هذا الجواز إلا أن يصل إلى درجة تشبه رؤوس الكافرات والعاهرات والفاجرات فإن ذلك حرام . فأجاب قائلاً : صبغ الشعر إذا كان بالسواد فإن النبي صلى الله عليه وسلم ، نهى عنه حيث أمر بتغيير الشيب وتجنيبه السواد قال : فاجاب فضيلته قائلاً : تغيير شعر الشيب سنة أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، ويُغيَّره بكل لون ما عدا السواد ، فإن النبي صلىالله عليه وسلم نهى أن يغير بالسواد فقال : وقد قال الشاعر : فأجاب قائلاً : الحديث صحيح ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتغيير الشيب، وأمر بتجنيبه السواد، وتوعد من يخضبون لحاهم بالسواد بأنهم لا يريحون رائحة الجنة، وهذا يدل على أن الصبغ بالسواد من كبائر الذنوب، فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل، وأن يتجنب ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ليكون ممن أطاع الله ورسوله، وقد قال تعالى: ثم إن الحكمة في ذلك هو أن في صبغ الشعر بالسواد مضادة لحكمة الله تعالى التي خلق الخلق عليها ، فإنه إذا حوَّل شعره الأبيض إلى السواد ، فكأنه يريد أن يرجع بشخوخته إلى الشباب فيكون بذلك مضاداً للحكمة التي جعل الخلق عليها بكونهم إذا كبروا أبيضَّ شعرهم بعد السواد ، ومن المعلوم أنَّ مضادة المخلوق للخالق أمر لا ينبغي ، ولا يجوز للمرء أن يضاد الله تعالى في خلقة ، كما لا يجوز له أن يضاد الله في شرعه ، ونقول أيضاً : إنه بدلاً من كونه يصبغ بالأسود يصبغ بصبغ يجعل الشعر بين السواد والحُمرة ، وبهذا يزول المحظور ويحصل المطلوب . أما إزالة العيوب فهذه لا بأس بها ، مثل أن يكون في الإنسان إصبع زائدة، فيجري لها عملية لقطعها إذا لم يكن هناك ضرر ، وما أشبه ذلك فإنه لا بأس به ، لأن هذا من باب إزالة العيوب الطارئه . والله الموفق . فاجاب قائلاً : النهي عن صبغ الشيب بالسواد ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - رواه مسلم وأبو داود ودعوى الإدراج غير مقبولة إلا بدليل ، لأن الأصل عدمه ، وقد روى أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وأما دعوى أن النهي عن الصبغ بالسواد من أجل التدليس ، فغير مقبولة أيضاً ، لأن النهي عام ، والظاهر أن الحكمة ما أشرنا إليه . وإذا كان هذا حكم الصبغ الأسود من أجل التدليس ، فغير مقبولة أيضاً ، لأن النهي عام ، والظاهر أن الحكمة ما أشرنا إليه . وإذا كان هذا حكم الصبغ الأسود ، فإن في الحلال غني عنه ، وذلك بأن يصبغ بالحناء والكتم أو بصبغ يكون بين الأسود والأحمر فيحصل المقصود بتغيير الشيب إلى صبغ حلال ، وما أغلق باب يضر الناس إلا فتح لهم من الخير أبواب ولله الحمد . وما روي عن بعض الصحابة من أنهم كانوا يخضّبون بالسواد ، فإنه لا يدفع به ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الحجة فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن خالفه من الصحابة ، فمن بعدهم فإنه يلتمس له العذر حيث يستحق ذلك ، والله تعالى إنما يسأل الناس يوم القيامة عن إجابتهم الرسل ، قال الله تعالى : فأجاب بقوله: أما من اللحية أو شعر الوجه فإنه حرام لأن هذا من النمص، فإن النمص نتف شعر الوجه واللحية منه ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن النامصة والمتنمصة . ونقول لهذا الرجل إذا كنت ستتسلط على كل شعرة أبيضت فتنتفها فلن تبقى لك لحية، فدع ما خلقه الله على ما خلقه الله ولا تنتف شيئاً. أما إذا كان النتف من شعر الرأس فلا يصل إلى درجة التحريم لأنه ليس من النمص . فأجاب بقوله : حد اللحية من العظمين الناتئين بحذاء صماخي الأذنين إلى آخر الوجه ، ومنها الشعر النابت على الخدين . قال في القاموس المحيط ص 387 جـ 4 : " اللحية بالكسر : شعر الخدين والذقن " . وعلى هذا فمن قال : إن الشعر الذي على الخدين ليس من اللحية فعليه أن يثبت ذلك . فأجاب بقوله : نعم العارضان من اللحية لأن هذا هو مقتضى اللغة التي جاء بها الشرع ، قال الله تعالى : قال في القاموس : " االِّلحية بالكسر : شعر الخدين والذقن " . وهكذا قال في فتح الباريء ص 35 جـ 10 طـ السلفية : " هي اسم لما نبت على الخدين والذقن " . وبهذا تبين أن العارضين من اللحية ، فعلى المؤمن أن يصبر ويصابر على طاعة الله ورسولة ، وإن كان غريباً في بني جنسه فطوبى للغرباء . وليعلم أن الحق إنما يوزن بكتاب الله تعالى وسنه رسولة صلى الله عليه وسلم ، لا يوزن بما كان عليه الناس مما خالف الكتاب والسنة ، فنسأل الله تعالى أن يثبتنا وإخواننا المسلمين على الحق. فأجاب بقوله : حلق اللحية محرم ، لأنه معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وحدّ اللحية - كما ذكره أهل اللغة - هي شعر الوجه واللحيين والخدين ، بمعنى أن كل ما على الخدين وعلى اللحيين والذقن فهو من اللحية ، وأخذ شيء منها داخل في المعصية أيضاً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فأجاب حفظه الله تعالى بقوله : القص من اللحية خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وبعض الناس عند ابتداء نبات لحيته تكون شعراتها متفرقة فيقول : أنا أحلقها لتنبت جميعاً ، وهذا ليس بصواب ، لأنه قد يحلقها فيعصي بذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يموت قبل أن تنبت ، ولكن عليه أن يبقيها كما كانت ، وهي إذا تم نموها وخروجها كانت مجتمعة في شكل حسن . والله الموفق . فأجاب فضيلته بقوله : جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهذه الأحاديث تدل على وجوب ترك اللحية على ما هي عليه وافية موفرة عافية مستوفية ، وأن في ذلك فائدتين عظيمتين .: إحداهما : مخالفة المشركين حيث كانوا يقصونها أو يحلقونها ، ومخالفة المشركين فيما هو من خصائصهم أمر واجب ، ليظهر التباين بين المؤمنين والكافرين في الظاهر كما هو حاصل في الباطن ، فإن الموافقة في الظاهر ربما تجر إلى محبتهم وتعظيمهم والشعور بأنه لا فرق بينهم وبين المؤمنين ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ثم إن في موافقة الكفار تعزيزاً لما هم عليه ، ووسيلة لافتخارهم وعلوهم على المسلمين حيث يرون المسلمين أتباعاً لهم ، مقلدين لهم ، ولهذا كان من المتقرر عند أهل الخبرة في التاريخ أن الأضعف دائماً يقلد الأقوى . الفائدة الثانية : أن في إعفاء اللحية موافقة للفطرة التي فطر الله الخلق على حسنها وقبح مخالفتها ، إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته . وبهذا علم أنه ليست العلة من إعفاء اللحية مخالفة المشركين فقط بل هناك علة أخرى وهي موافقة الفطرة . ومن فوائد إعفاء اللحية : موافقة عباد الله الصالحين من المرسلين وأتباعهم كما ذكر الله تعالى عن هارون أنه قال لموسى صلى الله عليهما وسلم : أما ما سمعتم من بعض الناس أنه يجوز تقصير اللحية خصوصاً ما زاد على القبضة ، فقد ذهب إليه بعض أهل العلم فيما زاد على القبضة ، وقالوا : إنه يجوز أخذ ما زاد على القبضة استناداً إلى ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنه كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما زاد أخذه . ولكن الأولى الأخذ بما دل عليه العموم في الأحاديث السابقة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن حالاً من حال . فأجاب قائلاً : الأفضل قص الشارب كما جاءت به السنة ، إما حفّاً بأن يُقص أطرافه مما يلي الشفة حتى تبدو ، وإما إخفاءً بحيث يقص جميعه حتى يفيه. وأما حلقه فليس من السنة ، وقياس بعضهم مشروعية حلقه على حلق الرأس في النسك قياس في مقابلة النص، فلا عبرة به ، ولهذا قال مالك عن الحلق : "إنه بدعه ظهرت في الناس فلا ينبغي العدول عما جاءت به السنة ، فإن اتباعها الهدي والصلاح والسعادة والفلاح". فأجاب بقوله : أما الشارب فإن الأفضل أن لا ينتفه الإنسان نتفاً بل الأفضل أن يقصه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . وأما نتف ما على الوجنة أو على الخد من الشعر فإنه لا يجوز لأن هذا من اللحية كما نص على هذا أهل العلم باللغة ، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحى ونتف هذا أو قصه مخالف لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله : جوابنا على هذا من وجوه : الوجه الأول : أن إعفاء اللحية ليس من أجل المخالفة فحسب ، بل هو من الفطرة كما ثبت ذلك في صحيح مسلم ، فإن إعفاء اللحي من الفطرة التي فطر الله الناس عليها وعلى استحسانها ، واستقباح ما سواها . الوجه الثاني : أن اليهود والنصارى والمجوس الآن ليسوا يعفون لحاهم كلهم ولا ربعهم بل أكثرهم يحلقون لحاهم كما هو مشاهد وواقع . الوجه الثالث : أن الحكم إذا ثبت شرعاً من أجل معنى زال وكان هذا الحكم موافقاً للفطرة او لشعيرة من شعائر الإسلام فإنه يبقى ولو زال السبب ، ألا ترى إلى الرَّمل في الطواف كان سببه أن يُظهر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الجلد والقوة أمام المشركين الذين قالوا إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب ومع ذلك فقد زالت هذه العلة وبقى الحكم حيث رمل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع . فالحاصل : أن الواجب أن المؤمن إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يقول سمعنا وأطعنا كما قال الله تعالى : فأجاب بقوله : إزالة شعر الإبط من الفطرة التي فطر الله الخلق عليها ، وجاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله عز وجل، وكذلك قص الأظافر والشارب ، وحلق العانة، فهذه الأشياء كلها من الفطرة التي يرتضيها كلُّ عاقل لم تتغير فطرته، وأقرَّتها الشرائع المنزلة من عند الله عز وجل . وقد وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم في الشارب والعانة والإبط والأظافر ، وقَّت لها أربعين يوماً ، فلا تترك فوق أربعين يوماً ، وعلى هذا فنقول : إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام ، قد وقت لأمته هذه المدة ، فهي المدة القصوى ، وإن حصل سبب يقتضي أن تزال قبل ذلك ، فإنها تزال ، كما لو طالت الأظافر أو كثرت الشعور في الإبط ، أو الشارب طال قبل الأربعين فإنه يُزال ، لكن الأربعين هي أقصى المدة وغايتها ، ومن العجب أن بعض الجهال يُبقي أظافره مدة طويلة حتى تطول وتتراكم فيها الأوساخ ، وهؤلاء قد تنكَّروا لفطرتهم وخالفوا السنة التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقتها لأمته ، ولا أدري كيف يرضون لأنفسهم أن يفعلوا ذلك ، مع ما فيه من الضرر الصحي مع المخالفة الشرعية . وبعض الناس يُبقي ظفراً واحداً من أظافره ، إما الخنصر وإما السبابة وهذا أيضاً جهل وخطأ . فالذي ينبغي للمسلمين أن يترسموا وأن يتمشوا على ما خطه النبي صلى الله عليه وسلم لهم ورسمه ، من فعل هذه السنن التي تقتضيها الفطرة ، قص الأظافر والشارب وحلق العانة ونتف الأباط . فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله : تطويل الأظافر مكروه إن لم يكن محرماً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت في تقليم الأظافر ألا تترك فوق أربعين يوماً . ومن الغرائب أن هؤلاء الذين يدعون المدنية والحضارة يبقون هذه الأظافر مع أنها تحمل الأوساخ والأقذار وتوجب أن يكون الإنسان متشبهاً بالحيوان ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : فأجاب بقوله جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً : هذا فيه تفصيل : إذا كان الحامل له على ذلك الاقتداء بالكفار الذين انحرفت فطرهم عن السلامة ، فإن ذلك حرام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فأجاب قائلاً : ذكر أهل العلم أن دفن الشعر والأظافر أحسن وأولى ، وقد أثر ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ، وأما كون بقائه في العراء أو إلقائه في مكان يوجب إثماً فليس كذلك . فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله : الأولى ألا يفعل ذلك تكريماً لها ، ولكن لو فعل فلا إثم عليه . فأجاب فائلاً : تخفيف شعر الحاجب إذا كان بطريق النتف فهو حرام بل كبيرة من الكبائر ، لأنه من النمص الذي لعن رسوله الله صلى الله عليه ووسلم مَنْ فَعله . وإذا كان بطريق القص أو الحلق ، فهذا كرهه بعض أهل العلم ، ومنعه بعضهم ، وجعله من النمص ، وقال : إن النمص ليس خاصّاً بالنتف ، بل هو عام لكل تغيير لشعر لم يأذن الله به إذا كان في الوجه . ولكن الذي نرى أنه ينبغي للمرأة - حتى وإن قلنا بجواز أو كراهة تخفيفه بطريق القص أو الحلق - أن لا تفعل ذلك إلا إذا كان الشعر كثيراً على الحواجب ، بحيث ينزل إلى العين ، فيؤثر على النظر فلا بأس بإزالة ما يؤذي منه . فأجاب قائلاً : جعل الشعر ضفيرة واحدة لا أعلم فيه بأساً. والأصل الحِلّ ، ومن رأي شيئاً من السنة يمنع ذلك وجب اتباعه فيه والله ولي التوفيق .
فأجاب فضيلته بقوله : إن كان كثيراً فلا بأس من إزالته ، لأنه مشوه ، وإن كان عاديّاً فإن من أهل العلم من قال إنه لا يُزال لأن إزالته من تغيير خلق الله عز وجل . ومنهم من قال : إنه تجوز إزالته لأنه مما سكت الله عنه ، وقال قال النبي صلى الله عليه وسلم : القسم الأول : ما نصَّ الشرع على تحريم أخذه . القسم الثاني : ما نص الشرع على طلب أخذه . القسم الثالث : ما سكت عنه . فما نص الشرع على تحريم أخذه فلا يُؤخذ كلحية الرجل ، ونمص الحاجب للمرأة والرجل . وما نص الشرع على طلب أخذه فليؤخذ ، مثل : الإبط والعانة والشارب للرجل . وما سكت عنه فإنه عفو لأنه لو كان مما لا يريد الله تعالى وجوده ، لأمر بإزالته ، ولو كان مما يريد الله بقاءه ، لأمر بإبقائه ، فلما سكت عنه كان هذا راجعاً إلى اختيار الإنسان ، إن شاء أزاله وإن شاء أبقاه . والله الموفق . فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله : المشروع أن تُبقي المرأة رأسها على ما كان عليه ، ولا تخرج عن عادة أهل بلدها ، وقد ذكر فقهاء الحنابلة - رحمهم الله - أنه يُكره قص رأسها إلا في حج أو عمرة ، وحرم بعض فقهاء الحنابلة قص المرأة شعر رأسها . ولكن ليس في النصوص ما يدل على الكراهة أو على التحريم ، والأصل عدم ذلك ، فيجوز للمرأة أن تأخذ من شعررأسها من قدام أو من الخلف ، على وجه لا تصل به إلى حد التشبه براس الرجل ، لأن الأصل الإباحة ، لكن مع ذلك أنا أكره للمرأة أن تفعل هذا الشيء ، لأن نظر المرأة وتطلُّبها لما يجدُّ من العادات المتلقاة عن غير بلادها مما يفتح لها باب النظر إلى العادات المستوردة ، وربما تقع في عادات محرمة وهي لا تشعر ، فكل العادات الواردة إلى بلادنا في المظهر والملبس والمسكن - إذا لم تكن من الأمور المحمودة التي دلَّ الشرع علىطلبها - فإن الأولى البعد عنها وتنجبها، نظراً إلى أن النفوس تتطلب المزيد من تقليد الغير ، لا سيما إذا شعر الإنسان بالنقص في نفسه وبكمال غيره ، فإنه حينئذ يقلد غيره وربما يقع في شَرَك التقليد الآثم الذي لا تبيحه شريعته . وهناك أشياء نتمسك بها يسميها بعضنا عادات وتقاليد ، ونحن ننكر هذه التسمية ونقول : لقد ضللتم وما أنتم بالمهتدين ، فإن من عاداتنا ما هو من الأمور المشروعة التي لا تتحكم فيها العادات والتقاليد ، كمثل الحجاب مثلاً ، فلا يصح أن نسمي احتجاب المرأة عادة أو تقليداً وإذا سمينا ذلك عادة أو تقليداً ، فهو جناية على الشريعة ، وفتح باب لتركه والتحول عنه إلى عادات جديدة تخضع لتغير الزمن ، وهو كذلك تحويل للشريعة إلى عادات وتقاليد تتحكم فيها الأعراف ، ومن المعلوم أن الشريعة ثابتة لا تتحكم فيها الأعراف ولا العادات ولا التقاليد ، بل يلزم المسلم أيَّا كان وفي أي مكان ، يلزمه أن يلتزم بها وجوباً فيما يجب ، واستحباباً فيما يُستحب . والله الموفق . فأجاب بقوله : السنة في فرق الشعر أن يكون في الوسط ، من الناصية وهي مقدم الرأس إلى أعلى الرأس ، لأن الشعر له اتجاهات إلى الأمام وإلى الخلف وإلى اليمين وإلى الشمال ، فالفرق المشروع يكون في وسط الرأس ، أما الفرق على الجنب فليس بمشروع ، وربما يكون فيه تشبه بغير المسلمين ، وربما يكون أيضاً داخلاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب حفظه الله بقوله : الذي بلغني عن تصفيف الشعر أنه يكون بأجرة باهظة قد نصفها بأنها إضاعة مال، والذي أنصح به نساءنا أن يتجنبن هذا الترف ، والمرأة تتجمل لزوجها لا على وجه يضيع به المال هذا الضياع ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن إضاعة المال ، أما لو ذهبت إلى ماشطة تمشطها بأجرة سهلة يسيرة للتجمل لزوجها فإن هذا لا بأس به .
فأجاب فضيلته بقوله : الباروكة محرمة وهي داخله في الوصل ، وإن لم تكن وصلاً فهي تظهر رأس المرأة على وجه أطول من حقيقته فتشبه الوصل وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة ، لكن إن لم يكن على رأس المرأة شعر اصلاً أو كانت قرعاء فلا حرج من استعمال الباروكة ليستر هذا العيب لإن إزالة العيوب جائزة ، ولهذا أذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن قطعت أنفه في إحدى الغزوات أن يتخذ أنفاً من ذهب فالمسألة أوسع من ذلك ، فتدخل فيها مسائل التجميل وعملياته ، فما كان لإزالة عيب فلا بأس به مثل أن يكون في أنفه اعوجاج فيعدله أو إزالة بقعة سوداء مثلاً فهذا لا بأس به ، أما إن كان لغير إزالة عيب كالوشم والنمص مثلاً فهذا هو الممنوع . فأجاب - حفظه الله تعالى - بقوله : الصحيح أن ثقب الأذن لا بأس به ، لأن هذا من المقاصد التي يتوصل بها إلى التحلي المباح ، وقد ثبت أن نساء الصحابة كان لهن أخراص يلبسنها في آذانهن ، وهذا التعذيب تعذيب بسيط ، وإذا ثقب في حال الصغر صار برؤه سريعاً . وأما ثقب الأنف : فإنني لا أذكر فيه لأهل العلم كلاماً ، ولكنه فيه مُثلة وتشويه للخلقة فيما نرى ، ولعل غيرنا لا يرى ذلك ، فإذا كانت المرأة في بلد يعد تحلية الأنف فيها زينة وتجملاً فلا بأس بثقب الأنف لتعليق الحلية عليه .
|